مساحة للنقاش في معنى الحرية-يونس إمغران (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

مساحة للنقاش
في معنى الحرية

  يونس إمغران    

ما معنى أن تكون حرا ؟ و ما هي الحرية ؟ و هل لهذه الكلمة مفهوم واحد، و دلالة واحدة يتفق حولهما الجميع ؟
كلما تذكرت قولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " إلا و استعظمت الفهم العميق و السامي الذي كان يتمتع به هذا الخليفة الراشد، لهذه الكلمة التي تحرك اليوم العالم بأسره، تارة بلغة الحرب و النار و الدم، و تارة أخرى بشعارات السلم و التعايش و التسامح..
أن تكون حرا ، معناه أن تتنفس عميقا فوق أديم الأرض، أو تحت البحار، و أن تنام في بيتك أو خارجه ما شاء الله لك أن تنام، دون قلق أو وجل، و أن تستيقظ متى شئت.. و أن تتجول حيث شئت، و متى شئت.. و تأكل ما شئت، و أنى شئت.. و أن تمسح حذاءك على الرصيف، أو جالسا على كرسي خشبي بمقهى..  و أن تملأ فمك، و تجري لسانك و مخيلتك بما تراه ملائما من عبارات المدح أو النقد، و من أفكار الخير أو الصمت،  و من حوارات هادئة أو صاخبة، في الصباح أو المساء، في منتصف الليل أو زد عليه أو انقص منه قليلا.. لا يهم.. و أن تختار من يسوس أمرك في العيش و الحرب و السلام، و أن تعزله و تحاسبه و تعاقبه، و لك أن تنافسه في منصبه، باعتماد نفس قواعد اللعبة التي قادته إلى أن يمارس عليك عدله و حلمه، أو حمقه و جوره.
أليس هذا المعنى سهلا ؟ لينا ؟ يسيرا ؟ بسيطا ؟ لا يطرح أي مشكل أو غموض أو ضرر ؟
لا نعتقد أن هناك من يمكنه اضطهادنا في هذا المعنى.. و إن كان مبناه – قد – يهدي إلى الاختلاف و المعارضة بين عاشق مفتون بالحرية، و عاشق معتدل للحرية.
لكن المؤكد، هو أن الفهم الذي يطال الحرية و يتفرع عنها، يختلف من شعب إلى آخر، و من دين إلى دين، و من حضارة إلى أخرى، و من ثقافة إلى ثقافة مغايرة.. فما نقبله نحن العرب و المسلمين من حرية، يعصمنا من أن نعتنق فهما لها، يقودنا إلى السماح بزواج المثليين، أو المجاهرة بالفاحشة أو المعصية و ذلك على سبيل المثال لا الحصر.. شأننا في ذلك شأن شعوب و أقوام آخرين، تمنعهم حريتهم، من أن يعتنقوا ما تهدينا و تحثنا حريتنا على القيام به، و أمثلتهم عديدة في ذلك... " و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ". 
بيد أن هذا الاختلاف، لا يعني إطلاقا أن الحرية حريات.. الحرية واحدة لا أخت لها و لا أخ.. نعم لها وجوه عدة، و مداخل صعبة و شاقة.. غيرها أنها تبقى في أول المطاف و آخره  ، هي نفسها الحرية التي تؤمن وجودنا، و تطبع حياتنا بلذة الحياة.. الخيط الدقيق الذي يفصل بين هذه الحرية و تلك، هو أن هناك من يتطرف في فهمها، و يعمل بالتالي وفق محركات هذا التطرف، و هناك من يعتدل في استنباط معناها، فينطلق حليما في العمل بها، مستندا إلى ما تمليه الفطرة.. لأن الحرية و الفطرة وجهان لهوية الإنسان و كرامته  " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ".



 
  يونس إمغران (المغرب) (2009-10-24)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مساحة للنقاش
في معنى الحرية-يونس إمغران (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia